8.3 C
New York
jeudi, mars 28, 2024

Buy now

الزراعة البيولوجية بالمغرب: الوضع الحالي و الآفاق المستقبلية

تعتبرالزراعة البيولوجية (AB) نمطا إنتاجيا تنظمه مجموعة قوانين تمنع استعمال المواد المركبة كالأسمدة مبيدات الطفيليات الخ، والتي تشجع الاعتماد على الوسائل البيولوجية والطبيعية. و قد بدأ العمل بهذا النمط من الإنتاج سنة 1924 من طرف «غيدوف ستينر»، بحيث تحول الإنتاج البيولوجي مع توالي السنين من مجرد حركة اجتماعية إلى نمط إنتاجي يرمي إلى المحافظة على البيئة الزراعية وإنتاج مواد غذائية سليمة. و لقد أكسبت هذه الفلسفة المنتوج الفلاحي الحامل للعلامة التجارية (بيو) سمعة طيبة عند ربات البيوت بالدول المصنعة، بحيث لا تترددن في شراء هذه المنتوجات بأثمنة تفوق أثمنة المنتوجات التقليدية وساهمت الضجة الحديثة التي أحدثها الديوكسين و جنون البقر في ثقة المستهلكين إزاء منتوجات (بيو).

تحميل

ووعيا بالأهمية البيئية و التجارية والسوسيواقتصادية للزراعة البيولوجية (AB) وضعت مجموعة من الدول المصنعة خلال العشرية الأخيرة برامج ترمي إلى إنعاش و تنمية هذا القطاع من خلال الإعانات والمساعدة التقنية والتكوين، في حين لم تدرك الدول النامية بعد أهمية هذا النمط. ففي افريقيا مثلا كما في آسيا قليلة هي الدول التي تبنّت رسميا تطوير الزراعة البيولوجية (AB).

ويعتبر المغرب من البلدان السباقة في إفريقيا والعالم العربي الذي شرع مزارعوه، منذ بداية التسعينات في تطبيق برامج الإنتاج البيولوجي ومنذ ذلك الحين، عرفت هذه الحركة تطورا ملحوظا على الصعيد التقني والتجاري والاجتماعي، واليوم، ومع النمو الهائل لهذا القطاع عبر العالم، فإن الفاعلين المغاربة و الأجانب يتساءلون عن الوضعية الحالية في المغرب و عن إمكانيته في هذا الميدان. والهدف الذي نتوخاه من هذه المقالة هو رصد مسار هذه الحركة بالمغرب و تحديد وضعيتها الحالية و مناقشة الآفاق المستقبلية.

و قد تبلورت المعطيات المقدمة في هذا العمل من خلال بحث أنجز من طرف المؤلف لدى مختلف الفاعلين في غضون حملة 1999/2000. و من المؤكد أن هذه المعطيات غير شاملة بيد أنها تعكس وضعية غير بعيدة عن الحقيقة.

الزراعة البيولوجية عبر العالم

تقدر المساحة المخصصة للإنتاج البيولوجي على المستوى العالمي حاليا ب,510 مليون هكتار، وتعتبر أستراليا من الدول الأكثر إنتاجا ( 5,3 مليون هكتار)، إيطاليا (958000 هكتار)، والولايات المتحدة الأمريكية (900000 هكتار)، وتمثل إفريقيا ما يناهز (100000 هكتار) أي أقل من% 1,0 من الإجمالي العالمي. علىالمستوى المتوسطي, طوّرت أغلبية دول الحوض أثناء الثلاث سنوات الأخيرة,برامج طموحة للزراعة البيولوجية (AB) وتعتبر إيطاليا و فرنسا من الدول الرائدة في هذه المنطقة.أما في ما يخص العالم العربي ,فإن الدول التي أعلنت عن المساحات المخصصة للزراعة البيولوجية هي مصــر و تونس و المغرب و لبنان.

ظهور الزراعة البيولوجية بالمغرب

ترجع أولى المنتجات البيولوجية بالمغرب حسب شهادة بعض الفاعلين إلى سنة 1986 وقد همّت في البداية زراعة شجر الزيتون بمراكش والحوامض في منطقة ابن سليمان. وقد باءت تجربة الحوامض بالفشل بينما نجحت تجربة مراكش، و من ثمة امتدت إلى مشاريع أخرىمماثلة. و كان الهدف من هذه المنتوجات الأولى، كما هو الحال بالنسبة لكل المنتوجات الموالية، هو التصدير للسوق الأوربية، و لم ينطلق هذا التصدير حقيقة إلا في سنة 1990، وبدأ بالحوامض قبل أن يمتد إلى الخضراوات، ثم إلى النباتات الطبية، والعطرية وإلى منتجات أخرى دخيلة.

لكن سرعان ما انتشرت ظاهرة الزراعة البيولوجية التي شهدت انطلاقتها الأولى من مراكش، إلى مناطق أخرى بالمملكة,ففي بداية الأمر امتدت نحو الجنوب، وبالضبط نحو أكادير حيث صدّر مزارعو الخضر بالمنطقة أولى الطماطم البيولوجية سنة 1992، وفيما بعد، انطلقت نفس التجربة بمنطقة الجديدة. ومنذ سنة 1998، شملت الخضراوات المعدّة للتصدير حوالي عشرة أنواع من الخضر انضافت إليها منتجات أخرى كزيت الزيتون والنباتات الطبية. و لقد كان البستانيون، في المرحلة بين 1990 و 1994 نشطاء على الخصوص في تنمية قطاع (بيو) بالمغرب، من خلال التوسع السريع للمساحات التي خصصت لإنتاج الفواكه و الخضر و التي انتقلت من بضع هكتارات سنة 1990الى ما يفوق 300 هكتار سنة 1999. و ابتداء من سنة 1998، ظهر صنف آخر من الفاعلين في الساحة، يتعلق الأمر بالتجار وبتعاونيات الفلاحين في العالم القروي، الذين روجوا بصفة خاصة أو بمساعدة المنظمات غير الحكومية لعمليات تسويق المنتوجات البيولوجية التي جمعت بالغابات. ومن ثمة، خضعت مساحات شاسعة لغابات الأرغان بالأطلس المتوسط لمصادقة قانونية و هي حاليا موضوع استغلال تجاري.

و قد أثار ظهور الزراعة البيولوجية في المغرب، على المستوى الاجتماعي، اهتمام عدة مكونات أخرى للمجتمع المدني. و بالفعل، فبالإضافة إلى المنتجين والتجار، إنكبّ العلمـاء و الصحافيون و الصناعيون أيضا، كل في مجاله، على إنعاش القيم البيئية و الصحيــــة و التجارية لهذه الحركة. وقد بلغت هذه الحركة أوجها بإنشاء منظمتين غير حكوميتين تضمان هـواة ومهنيي القطاع.

تنوّع المنتجات البيولوجية بالمغرب

يتوفر المغرب حاليا  على صنفين من المنتجات البيولوجية: منتجات النباتات الــبرية ومنتجات النباتات المزروعة,و الأنواع التي تتعلق بهذين الصنفين من المنتجات موجودة في الجدول رقم1.

أ- مساحات و مناطق الإنتاج

يتبيّن من خلال بحثنا أن المساحة الإجمالية المستغلة في هذين الصنفين من المنتجات المذكورة أعلاه تقدر بحوالي 12300 هكتار،و يقدم الجدول رقم2 التوزيع حسب الأنواع.

يهمّ الإنتاج البيولوجي ثمانية مناطق رئيسية، و تقع المغروسات المزروعة في كل من الرباط و أزمور و فاس و تازة و بني ملال و مراكش و أكادير وتارودانت، كما توجد النباتات الطبية و العطرية في جميع الجهات تقريبا، مع خصوصية منطقة مراكش التي تتجلى في وجود رعي الحمام (لويزة)، وبتارودانت (تلوين) حيث يوجد الزعفران و فاس بالنسبة للكبر. ويبرز واد سوس-ماسة كمنطقة أساسية للخضراوات، بسبب مناخها شبه الاستوائي الملائم للمنتوجات غير الموسمية. كما أن بعض المناطق الساحلية (أزمور و الرباط) مؤهلة أيضا لهذا النوع من الإنتاج.

ترد المنتوجات المثمرة من منطقتين أساسيتين: مراكش و أكادير. غير أن بعض المناطق الأخرى للمملكة كمكناس و أزرو و ميدلت و الراشدية ما تزال لا تنتج الزراعة البيولوجية إلى حدّ الآن مع أن هذه المناطق تتوفر على إمكانيات هائلة ينبغي استغلالها.

ب- الأهمية الاقتصادية و التجارية

تمثل السوق العالمية للزراعة البيولوجية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي حاليا 20 مليار من الدولارات. كما تقدر السوق الأوربية ب 6 مليارات من الدولارات، وقد بّينت الدراسات الحديثة للفدرالية الدولية للزراعة البيولوجية تقدم هذه السوق من 10% إلى 20% في السنة، بالإضافة إلى أن الإنتاج البيولوجي يباع بنسبة تفوق 20 إلى 30% ثمن المنتوجات التقليدية.و لا يقتصر الاهتمام في أوربا و في بعض البلدان الأمريكية، بالمواد الغذائية البيولوجية، على ربات البيوت بل يمتد كذلك إلى الشركات المتعددة الجنسيات: MacDonald ،Lufthansa ،Danone ،Nestle Swiss

و يعدّ دخول هذه الشركات الكبرى إلى هذه السوق، حسب بعض خبراء الفدرالية الدولية للزراعة البيولوجية ليس فقط ازدهارا مفاجئا لهذا القطاع ولكن نوعا من «الاكتساح».

إن التقدم الذي تعرفه سوق الزراعة البيولوجية على المستوى العالمي وأهمية الأثمنة المقدمة بالنسبة للزراعة التقليدية تمنح، بناء على دراسات المنظمة العالمية للتغذية، فرصا كبيرة للتصدير بالنسبة للدول النّامية، خاصة بعض المنتوجات كالفواكه الاستوائية وشبه الاستوائية، ومنتوجات غير موسمية و المنتوجات المجلوبة و الطبية. و قد شرعت مجموعة من الدول النّامية، منذ سنين طويلة، في تصدير بعض منتوجات الزراعة البيولوجية نحو الأسواق الأوربية و الأمريكية بأثمنة جدّ مهمة. و تصدّر بعض الدول الإفريقية، كالكامرون والسينغال و الموزمبيق القهوة، و القطن و الفواكه الاستوائية (الموز، الأفوكا، و الأناناس. الخ) و يختص البعض بتصدير منتوجين أو ثلاثة كتونس التي تصدر أساسا زيت الزيتون والثمور و الجوجوبا. أما مصر فقد طوّرت أيضا سوقها المحلية، و التي تستوعب حاليــا 40% من المنتوج الوطني، إضافة إلى إنعاش صادراتها نحو أوربا والولايات المتحدة.

أما فيما يخص المغرب، فقد شرع في التصدير نحو الأسواق الأوربية منذ سنة 1990، غير أن صادراته ما تزال ضعيفة جداّ بالمقارنة مع إمكاناته. ولقد بلغت الصادرات في سنة 1999 من الفواكه و الخضر 2100 طن، ومن زيوت الأرغان حوالي 10000 لتـر و من النباتات الطبية 600 طن. ويوضح الشكل رقم 1 تطور الصادرات خلال الخمس سنوات الأخيرة. بالنسبة لسنة 2001، وحسب البحوث التي أجريت لدى منتجي منطقة سوس-ماسة فإن الصادرات ستصل إلى 2000 طن فيما يتعلق بمنتوجات الخضراوات، الشىء الذي سيشكل زيادة تفوق 300% مقارنة مع سنة 1999.

هل المزروعات البيولوجية ذات مردودية؟

يؤرق هذا السؤال المنتجين باستمرار. إذ شكل موضوع أبحاث عديدة في أوربا و غيرها عدا في بالمغرب، غير أن,أغلب المحللين يؤكدون في الوقت الراهن، أن المزروعات البيولوجية أكثر مردودية نسبيا من المزروعات التقليدية. إذ تخضع هذه المردودية بالطبع للمضاربات، ولمردود الهكتار ولقنوات التسويق المتبعة،و يبدو أن السوق أصبحت مشبعة بالنسبة لبعض المنتوجات، كما هو الحال بالنسبة للجزر و المزروعات الخفيفة. أما فيما يتعلق بالمزروعات الأخرى فيعتبر مردود الهكتار حاسما. أيا كان نوع المزروع ويظل المردود ضعيفا بصفة عامة خلال مرحلة إعادة التحويل.

لكن، بعيد ذلك، و بمجرداستقرار البيئة الزراعية البيولوجية للحقل، و ضبط المنتج لعملياته يتحسن المردود مبدئيا. و إذا كان المردود عن طريق (البيو) لا يصل أبدا إلى مردود المزروعات التقليدية، فإن ارتفاع الأسعار في السوق يمكن أن يعوّض إلى حدّ كبير انخفاض المردود، بالإضافة إلى أن تمة في الوقت الراهن مقاربات و تقنيات تتلاءم مع مفهوم (البيو) و التي تسمح بتحقيق مردود هام جدّا.

القنوات التجارية

تعتبر قنوات الترويج في سوق (البيو) مسألة بالغة الأهمية. و من المؤكد أن هناك صعوبة في ولوج سوق (البيو) مقارنة مع سوق المنتوجات التقليدية ولكن ليست مستحيلة حسب بعض الفاعلين. إن تمة في العالم أجمع، شركات متخصصة، تتحكم في تسويق المنتوجات البيولوجية في المساحات الكبرى، والمتاجر الصغرى والفنادق والمطاعم وحتى لدى ربات البيوت. و يتعامل المنتجون في المغرب مباشرة مع الشركات على أساس عقدة. و يتم هذا التعاون بصيغ عديدة، و حسب المواد المعنية، و إمكانات المنتج. و يمكن ألا يمس هذا التعاون إلا الجانب التجاري، كما يمكن أن يمتد إلى الجوانب التقنية و التنظيمية. و بهذه الصفة، تتكلف بعض الشركات، إضافة لترويج المنتوج في السوق الأوربية بمصاريف المصادقة و المساعدة التقنية. وتخضع الفواكه و الخضر المصدرة نحو السوق الأوربية لقانون الحصص المعمول بها بالنسبة للمنتوجات التقليدية. أما المنتوجات الأخرى، فإن الشركات الأجنبية تقوم مباشرة بطلبياتها لدى المنتجين المغاربة، على أساس العروض التي يقدمها هؤلاء.

لكن،ماذا عن السوق الوطنية؟

على غرار ما تم إنجازه في بعض الدول النامية كمصر و اليونان و موازاة مع المجهودات المبذولة لغزو الأسواق الأجنبية، أصبح من الضروري بالنسبة للمغرب العمل على تطوير سوقه الوطنية، هذه السوق موجودة إلا أنها في نظري راكدة. و من المحتمل ألا تكون هذه السوق بنفس أهمية سوق الصادرات، و لكن باستطاعتها استيعاب جزء مهم من الإنتاج الوطني. و ذلك عن طريق اتباع سياسية تنموية جيّدة و استراتيجية تسويقية ملائمة.

يمكن التفكير في إنعاش المنتجات البيولوجية لدى الفئات الاجتماعية الميسورة المنشغلة بسلامة الأغذية التي تضعها في أطباقها و التي يمكنها أن تدفع إلى زيادة تتراوح بين 10 و 20% أكثر في المنتوجات البيولوجية. ويمكن أن يهتم المغربي المتوسط بالعلامةالتجارية « بيو » بالنسبة لبعض المنتوجات، إذ أن استهلاك المنتوجات البيولوجية في نهاية المطاف، وعلى عكس تصورات سوسيوثقافية عديدة، ليس غريبا على العادات المغربية.

ولقد تطورت عند ربات البيوت منذ سنوات فكرة العودة إلى ماهو « بلدي » الذي يمثل نوعا من إنتاج بيولوجي، غير متقن، و غير مصادق عليه، ولكنه غير بعيد عن المنتجات البيولوجية الحقيقية. ومن المعروف جيّدا في تقاليدنا بأن منتوجات « البلدي » مفضلة على المنتوجات التقليدية، ليس فقط بسبب مذاقها و لكن بسبب جودتها الصّحية.

تثبت هذه الحالة السوسيوثقافية، بأن المغربي المتوسط واع بالجودة الصحية للمواد الغذائية ولا يتردد في تكريس أكثر لهذا الوعي بغية تطويره نحو تصور « بيو » كما هو معترف به و معتمد على المستوى العالمي. إضافة إلى هذا، وعلى المستوى الزراعي فإن إنتاج الفواكه والخضر « بلدي « يتبع مسارات مشابهة للمسارات التي يدعو إليها المفهوم البيولوجي، وبالتالي لن يكون من العبث التفكير في وضع علامة « بيو » و من تمة سوق وطنية على أساس تصور بلدي بواسطة آليات تنظيمية معمول بها حاليا.

في كل الأحوال، يبدو لي أنه من حق مغربي الألفية الثالثة، كما هو الشأن بالنسبة للمواطن الأوربي أو الأمريكي، ألا يتردد في استهلاك المنتوجات « بيو » شرط أن تكون متوفرة وذات جودة وبأثمنة مناسبة.

الجوانب التقنية والزراعية

يخضع التدبير الزراعي للمزروعات البيولوجية لمبادىء احترام البيئة والمساهمة في تحسين خصوبة التربة. وبحكم حظر الأسمدة الاصطناعية ومبيدات الطفيليات، فإن المنتوجات الطبيعية والتقنيات غير الملوّثة، هي وحدها المسموح باستعمالها. بالنسبة للفلاحين الذين اعتادوا على استعمال مكثّف للأسمدة ولمبيدات الطفيليات، فإن هذا المعطى الجديد يمكن أن يسبب اضطرابا وارتباكا في بداية عملية إعادة التحويل. ولكن بمجرد تجاوز هذه المرحلة، يتعود الفلاح على نمط جديد للتدبير ويتعلم تدريجيا التحكم في الوسائل البيولوجية والطبيعية لتغذية وحماية مزروعاته.

إن الفلاحين الذين يتحولون إلى الزراعة البيولوجية، مطالبون ببذل مجهود كبير خلال مرحلة التحويل التي تستمر من سنتين إلى ثلاث سنوات. و هي فترة يجب أن لا يقتصر الفلاحون فيها على تغيير تقنيات الإنتاج فحسب، بل يجب أن يغيروا طريقة تصرفاتهم وردود أفعالهم. إذ يجب أن تستبدل التدخلات « الحازمة »ضد الخصوم والطفيليات بتدخلات « مرنة » يميزها التسامح على الاستئصال التام.

على مستوى الحقل، يرافق الانتقال من التقليدي إلى البيولوجي في أغلب الأحيان نقص في المردود، و لكن في نهاية هذه المرحلة، ينبغي أن تسترجع المزروعات مبدئيا قدرتها على الإنتاج. لا يحدث في بعض الحالات تحسن في الإنتاج، أو يتأخر، مما يدفع بعض المنتجين إلى نعت النظام البيولوجي بضعف المردودية مقارنة مع النظام التقليدي.

ليست هذه الدريعة صحيحة دائما، بحيث بينت تجربة الدول الأوربية والأمريكية إمكانية وصول مردود المزروعات البيولوجية إلى نفس مستوى المردود المتوخى من المزروعات غير البيولوجية، شريطةالتحكم بشكل جيّد في التغذية و الوقاية الصحية. و حتى في المغرب، حيث اقترن التدبير المعقلن بالابتكارات التكنولوجية (السقي الدقيق، السقي المخصب، مقاومة بيولوجية إلخ) كان المردود مهما جدّا. و كما هو الحال مثلا بالنسبة للطماطم، بحيث وصل مردودها بالهكتار عند إنتاجها بواسطة البيوت البلاستيكية إلى 80 طن/هكتار. ويبقى مردود المزروعات الأخرى ضعيفا، ولكنها تتحسن من سنة لأخرى كلما تمّ التحكم في تقنيات الإنتاج.

و من المحتمل أن يكون التخصيب إحدى الممارسات الزراعية التي تطرح حاليا أكثر من مشكل، خصوصا بالنسبة لزراعة الخضراوات و الفواكه التي لها متطلبات غذائية مهمة. والسؤال المطروح دائما من طرف المبتدئين هو: كيف يمكن أن تلبى حاجيات المزروعات دون اللجوء للأسمدة المعدنية للحصول على مردود جد مرتفع كما هو الشأن بالنسبة للمزروعات التقليدية.

يرتكز التخصيب في الزراعة البيولوجية على مدى إسهام المادة العضوية على شكل زبل و أسمدة خضراء أو أسمدة طبيعية كدقيق العظام والصخور المعدنية أو الطحالب. وتعتبر كل هذه الوسائل مندمجة في الدول المتقدمة، وفي المغرب على الخصوص يقتصر أغلب الفلاحين و بالأخص على الزبل ويهملون وضع الأسمدة الخضراء و اللجوء إلى الأسمدة الطبيعية التي يسمح بها القانون المنظم. وقد يرجع السبب في ذلك إلى غلاء المنتوجات أو إلى عدم توفر هذه المنتوجات في السوق. و في جميع الأحوال، يفسر هذاالإهمال بشكـل كبير ضعف المردود المسجل في بعض المستغـلات الشجرانيــة  والخضروية.

فيما يتعلق بالوقاية الصحية النباتية، فإن الفلاح مدعوّ إلى تدبير الحالة الصحية لمزروعاته على أساس المبادئ التي تمنع استعمال المبيدات المركبة. كما يجب أن يستعمل وسائل بيولوجية وطبيعية غير ملوثة,لمقاومة الأمراض والجائحات. بيد أن مزج تدابير وقائيـة واستعمال وسائل مساعدة و مبيدات الطفيليات البيولوجية المكونة من النباتات أو من الجرثومات (بكتيريا، فطريات، الخمائر) لا تبعد نهائيا الأضرار التي تتسبب فيها الحيوانات الحاملة للجراثيم، وإنما تجعلها في مستوى مقبول اقتصاديا.

أمابالنسبة للأعشاب الضارة، فإن الاستراتيجية المتبعة في الزراعة البيولوجية تكمن في التخفيف من تأثيرها من خلال إبادة الأعشاب يدويا، أوآليا أو حراريا دون استئصالها التام بسبب التأثيرات الإيجابية التي يمكن أن تحدثها في التربة.

ويؤكد خبراء « البيو » فيما يتعلق بالجودة، أنه يستحيل التمييز بين المنتوجات البيولوجيـة والمنتوجات التقليدية من الناحية التجارية لولا وجود العلامة التجارية، مما يعني أن المنتوجات البيولوجية يمكن أن تتساوى مع المنتوجات التقليدية عندما يتم الإنتاج حسب قواعد سليمة.

تنظيم القطاع

بالرغم من قلة مهنيي هذا القطاع بالمغرب، فهم نسبيا جد منظمين مقارنة مع قطاعات أخرى. و قد ظهرت جمعيتان منذ 1998: جمعية مهنيي التخصص البيولوجي التي يوجد مقرها بالدار البيضاء، وجمعية »مغربيو » التي يوجد مقرها بمراكش. و تضم الجمعيتان، ليس فقط المنتجين، بل تضم كذلك المصبرين والتجار و العلماء و المصدرين و المستشارين ووكلاء المصادقة وباختصار كل المهتمين بحركة البيولوجي.

و قد برهنت هاتان الجمعيتان عن دينامية مثالية خلال السنتين الأخيرتين. إذ تلعب حاليا جمعية مهنيي التخصص البيولوجي دور الناطق باسم المنتجين، وتساهم بفعالية في إنعاش القطاع على المستوى التقني، و الزراعي والتجاري، و يرجع الفضل لجمعية « مغربيو » في انفتاحها على شريحة عريضة من المجتمع المدني، وتضم في صفوفها الهواة و المهنيين على حد سواء.

بدأت الدوائر الرسمية مؤخرا العمل في هذا المجال. فهناك خلية داخل مديرية حماية النباتات و المراقبة التقنية و قمع الغش بوزارة الفلاحة تشتغل منذ بضعة أشهر لتضع قوانين منظمة وطنية للزراعة البيولوجية. وقد سجل المغرب في هذا المجال تأخرا لعدة سنوات بالمقارنة مع دول مجاورة كتونس و مصر. فكان لغياب مثل هذه القوانين المنظمة انعكاسات سلبية على إنتاج وتسويق وتصدير المنتجات البيولوجية. ويسجل أحد مظاهر الإكراه على مستوى التصديق و المراقبة.وقد اقتصر لحد الآن هذان النشاطان الأساسيان للإنتاج البيولوجي على شركات أجنبية.

على المستوى الأكاديمي، بدأ معهد الحسن الثاني للزراعة و البيطرة منذ 1999، أنشطة التكوين و البحث و تطوير الزراعة البيولوجية. إذ تعطى دروسا في الاستئناس للتلاميذ المهندسين بالسنة الخامسة  تخصص بستنة. وبالإضافة لذلك، و منذ سنة 1999 يختم كل سنة ثلاثة طلاب من مؤسسة الحسن الثاني للزراعة و البيطرة، تكوينهم بالسلك الثالث تخصص الزراعة البيولوجية بالمعهد الزراعي ب « باري » في إيطاليا.

و إجمالا لم يتطور بعد البحث بشكل جيّد في هذاالمجال، و لكن بدأ تطبيق البرامج عن طريق الاستئناس في كل من معهد الحسن الثاني الزراعة والبيطرة بالرباط وأكادير. و توّجت هذه الأنشطة في أكتوبر 2001 بتنظيم ندوة عالمية حول الزراعة البيولوجية التي سبقها درس دولي في نفس الموضوع. و يمكن الحصول على معلومات أوفر تتعلق بهذه الأنشطة في موقع أنترنيت:

www.biomaroc.ma.

و أحدثت بوابة من طرف مؤسسة الحسن الثاني للزراعة و البيطرة في يناير 2001.

إكراهات القطاع

تواجه الزراعة البيولوجية إكراهات عديدة، يكتسي أهمها في نظري طابعا مؤسساتيا، وتنظيميا، وزراعيا، وتجاريا.

فعلى المستوى المؤسساتي، أصبح من الضروري أن تولي وزارة الفلاحة لهذا النشاط الفلاحي الجديد، الأهمية التي يستحقها. كما أصبح من الضروري إحداث خلية أو قسم مختص في هذا المجال يمكن لهذا القسم أن يلعب دور المحاور مع المهنيين و أن يجمع المعطيات والاحصائيات المتعلقة بالمنتوجات البيولوجية وتسطير الاستراتيجية الوطنية التي يجب اتباعها على المديين المتوسط والطويل، إذ لا يوجد بلد اتجه نحو الزراعة البيولوجية ولا يتوفر على بنيات مؤسساتية متخصصة في هذا المجال. وتتوفر الدول الكبرى المنتجة والمصدرة على خلايا للتتبع وللاتصال حتى داخل سفاراتها في الخارج.

كما يجب أن يستفيد هذا القطاع كذلك من بعض التسهيلات والإعانات، فيما يتعلق باستيراد عناصر الإنتاج (المبيدات البيولوجية ،الأسمدة العضوية الخ)  على الأقل، التي تفوق أسعارها بصفة عامة أسعار المنتوجات التقليدية. تكلف سنوات التحويل كثيرا، وبالتالي يجب أن تتدخل الدولة للتخفيف من هذه الأعباء بواسطة الإعانات. ولكن تبقى الحاجة إلى اعتماد قوانين منظمة وطنية أكثر إلحاحا. فما لم تر النور هذه القوانين التنظيمية وما لم يتم الاعتراف بها من طرف السلطات الأوربية ستبقى الإجراءات وتكاليف المصادقة والمراقبة عائقا رئيسيا في وجه تطوير هذا القطاع.

على المستوى التجاري، يجب على الجمعيات المهنية، بتعاون مع السلطات الرسمية أن تنكب عاجلا على تحديد وتطوير العلامة التجارية للمغرب. وستستفيد المنتوجات المغربية كثيرا، إذا ما توفرت على علامتها الخاصة على غرار ما هو معمول به في البلدان الأخرى.

على المستوى الزراعي، لم يتلق معظم المنتجين تكوينا متخصصا في هذا المجال، و لايتقنون لحد الآن تقنيات الإنتاج البيولوجي، وبالتالي فهم بحاجة ماسة إلى المساعدة التقنية وإلى نقل التكنولوجيا والتكوين .

لا يمثل عدم امتلاك تقنيات الإنتاج، العامل التقني الوحيد الذي يحد من الزراعة البيولوجية في المغرب. إذ أن النقص في عناصر الإنتاج النوعية (مخصب عضوي ،مبيدات بيولوجية…الخ ) وغلاء ما هو متوفر في السوق وتعقد إجراءات التصديق على منتوجات جديدة، يشكل إكراها حقيقيا في وجه الواعين من المنتجين الذين يجدون صعوبة في تدبير مندمج على النحو المطلوب .

آفاق مستقبلية

بالمقارنة مع دول كاليونان و تونس و الشيلي التي لا تتوفر على طاقة فلاحية كالمغرب، والتي عرفت تقدما مهما في الزراعة البيولوجية، نلاحظ بأن الإنتاج البيولوجي في بلدنا ما يزال ضعيفا جدا. حاليا يأتي معظم إنتاجنا من النباتات الطبيعية غير المزروعة، فالمساحات المزروعة ماتزال محدودة وحصيلة المنتوجات قليلة التنوع. كما أن القدرات الزراعية لكثير من المناطق المغربية غير مستغلة بشكل معقلن.

تتميز المناطق الساحلية و الجنوبية بمناخها المناسب لإنتاج الفواكه والخضر غير الموسمية ومايزال هذا المنفذ يعد بالمزيد في سوق البيو الأوربية و غيرها و تلبي بلدان أمريكا اللاتينية المتضررة بسبب بعدها نسبة كبيرة من الطلب الأوربي. لا تمثل الصادرات المغربية من البواكر إلا 0,02% من الحمولة المصدرة سنويا.

أما فيما يتعلق بالمنتوجات المثمرة، فيوجد المغرب في وضع جيّد يمكنه من تزويد السوق بالمنتوجات كزيت الزيتون و الكبر و الثمور و الفواكه الجافة، التي تنتج عادة في المناطق ذات بيئة زراعية سهلة قابلة للتحويل إلى « البيو ». و تعتبر سوق الفواكه المجلوبة هامة أيضا. فطلبات السوق الأوربية لا تلبى إلا جزئيا بمنتوجات أمريكا اللاتينية و بمنتوجات بعض الدول الافريقية البعيدة عن أوربا. أما بالنسبة لبعض المنتجات كالموز، فيشكل فتح الحدود سنة 2010، أو قبلها تهديدا حقيقيا لها، في حين أن سوق « البيو » قد يوفر لها متنفسا هاما، لأن طلبات الأوربيين من الموز المصادق عليه « بيو » لم تلب بعد. كما تمثل منتوجات الخوخ و العنب الناضج قبل الأوان منفذا واعدا.

تتوفر المناطق الأخرى بالمغرب، حيث لا يتسم المناخ بنفس اعتدال المناطق الساحلية، على مؤهلات هامة للبيئة الزراعية. ففي هذه المناطق يغلب الطابع التقليدي على أنظمة الإنتاج، الشىء الذي يسهل تحويلها إلى نظام إنتاج بيولوجي. و بهذه الصفة فإن المستغلات الصغيرة التقليدية الصينية المتخصصة في إنتاج الشاي مؤشر على ذلك. كما أظهرت دراسات قامت بها المنظمة العالمية للتغذية أن تحويل هذه المستغلات الصغيرة للبيولوجي أعطت نتائج جيّدة على المستوى السوسيواقتصادي.

أما بالنسبة للنباتات الطبية و مشتقات الغابة، فهناك عدة فرص لم يقع استغلالها لحد الآن.

    لحسن كني و عبد الحق حنفي

      معهد الحسن الثاني للزراعة و البيطرة

         مركب البستنة بأكادير

Activités du projet ConserveTerra

Articles à la une

error: